تكست: السنة الثانية - العدد العشرون - تشرين الثاني 2013






السنة الثانية - العدد العشرون


السبت، 14 ديسمبر 2013

تكست - السنة الثانية - العدد العشرون - مايكل دوميــــــت .......د. عـــادل الثــــامــــري

مايكل دوميت



د . عادل الثامري
يعد مايكل دوميت أحد أبرز الفلاسفة البريطانيين المؤثرين من أبناء جيله و تستند شهرته الفلسفية إلى دراساته في تأريخ الفلسفة التحليلية و إلى مساهماته في الدراسة الفلسفية للمنطق و اللغة و الماورائيات .  وسنتناول    عمله التاريخي ثم نتطرق لمشروعه و تأثيره في الحقل الفلسفي. تعد شروحاته على فريجة ذات أهمية كبرى في عمله التاريخي. و قد كرس دوميت كتابه لفلسفة الرياضيات عند فريجة. و من الجوانب المثيرة للجدل رأيه في أن الفلسفة التحليلية تستند إلى تبصر فريجة في أن الطريقة الصحيحة لدراسة الأفكار هي دراسة اللغة. و يؤمن دوميت أن فريجة مؤيد للنظرية الدلالية الواقعية التي ترى أن كل جملة و من ثم كل فكرة قادرة على التعبير عنها، هي و بشكل حاسم صادقة أو كاذبة بالرغم من أننا قد لا نملك أية وسيلة لاكتشاف  ذلك.
طور دوميت  اللا-واقعية استنادا إلى فكرة  أن فهم جملة ما هو القدرة على إدراك ما يحسب انه لها أو عليها.واستنادا إلى اللا-واقعية  ليس ثمة من ضمان في أن كل جملة هي صادقة أو كاذبة بشكل حاسم ، و هذا يعني أن كل من الواقعيين و اللا-واقعيين يدعمون منظومات منطقية متنافسة. يرى دوميت إن علينا التفكير بوساطة سلسلة من المناظرات المستقلة بين الواقعيين و اللا-واقعيين و كل من هذه المناظرات تهتم بنوع مختلف من اللغة ، لذا يمكن أن احدهم لا-واقعي بخصوص الرياضيات و واقعي  فيما يخص الزمن. و يمكن القول أن مشروع مايكل دوميت الفلسفي هو إقامة الدليل على أن فلسفة اللغة قادرة على توفير حل نهائي لمثل هذه السجالات الفلسفية الماورائية و يتضمن عمله حول الواقعية و اللا-واقعية مجالات فلسفة المنطق و فلسفة الرياضيات و فلسفة اللغة و الماورائيات.
إن الربط بين اهتمامات دوميت بتاريخ الفلسفة التحليلية و مساهماته فيها يساعد في فهم عمله بوصفه استجابة مع المفكرين الآخرين و الذين و ضعوا البرنامج الذي يتبعه الفلاسفة التحليلين.
لقد قال دوميت  (1993 أ)  "أعد نفسي،  مخطئ بلا شك، فتغنشتايني".من أهم الأفكار التي أفاد منها دوميت من أعمال فتغنشتاين المتأخرة و هي التي استمر في الإقرار بها : أن المعنى هو الاستعمال.  إن فهم معنى كلمة ما هو فهم تلك الكلمة و فهمها هو القدرة على استعمالها بشكل صحيح.. و لقد كرس دوميت قدرا كبيرا من جهده  لمهمة معرفة ما تنطوي عليه القدرة على استعمال كلمة ما بشكل صحيح. و قد أكد دوميت على أن مهمة الفلسفة ليس زيادة مقدار المعرفة الإنسانية بل تحريرنا من قبضة المدركات الفلسفية المربكة عبر جذب انتباهنا إلى حقائق معينة عن المعنى. على الفلسفة أن تحدد نفسها بتوصيف ما نفعله في مجالات أخرى من الحياة و أن لا تحاول مطلقا تغيير أو تعديل ممارساتنا. و قال دوميت"لم استطع مطلقا أن أتعاطف مع تلك الفكرة (نفس المصدر) و لا يمكن لفيلسوف كاثوليكي أن يقتنع بالقول أن الماورائيات مستحيلة. و مع ذلك يبدو أن ثمة رابط بين فكرة فتغنشتاين في أن المعنى هو الاستعمال و رفضه للماورائيات.
لقد تقبل دوميت أطروحة المعنى و الاستعمال و لم يقبل فكرة أن المشاكل الماورائية  لابد وان تهجر لا أن تحل، الأمر الذي طرحه فتغنشتاين و بشدة. و شكل هذا الأمر تحديا لدوميت لتفسير ما تحتويه العبارات الماورائية من خلال الإشارة إلى الرابط الدقيق بين  العقيدة الماورائية و الممارسات الأخرى التي نتعاطى بها  و قد واجه هذا التحدي  بالتركيز على  تعارض في فلسفة الرياضيات و هو التضارب بين الحدسيين و الافلاطونيين.
حاول دوميت في كتابه الموسوم Frege: Philosophy of Mathematics أن   يحدد وبدقة متناهية مكمن الخطأ لدى فريجة ولكنه كان الأهم من بين الشارحين لفريجة حتى و إن كانت تأويلاته لم يتم تقبلها بشكل واسع و لكنها تاويلات لا يمكن لأحد أن يتجاهلها. يرى دوميت أن المشروع غير الناجح لفريجة قدم  ناتجين جانبيين مهمين. فقد كان على فريجة و هو يحاول إثبات منطقه أن يبتكر لغة يمكن فيها تعريف الأعداد بمفردات منطقية بسيطة و عبرها يمكن إما إثبات أو دحض تعبيرات الحساب. و قد حقق فريجة هذا الامر عام 1879  و كان التجديد الفني الاكبر هو استعمال العمومات للتعامل مع العبارات ذات العمومية المتعددة. لقد ابتكر فريجة لغة شكلية يكون من الممكن فيها  عرض الاختلاف بين " كل امرئ يحب امرئ ما"  و "ثمة امرئ يحبه كل امرئ" و كذلك البرهان و بشكل واضح على أن النتائج المختلفة يمكن  استنتاجها من  كل من هذه العبارات.و جميع اللغات الشكلية تستند إلى طريقة فريجة في التعبير عن عبارات مثل هذه. و من هنا جاء تتويج فريجة على انه مؤسس المنطق الشكلي الحديث.
لقد تبنى دوميت "مصطلح " فلسفة اللغة" من أراء فريجة في طبيعة الفكر و المعنى و الصدق، و يرى دوميت أن هذا هو الناتج الجانبي الثاني من مشروع فريجة غير الناجح. لقد رفض دوميت اسم  "منطق " لأنه يفضل استعمال تلك الكلمة بالمعنى الارسطوي الضيق في دراسة مبادئ الاستدلال . لقد تبنى دوميت مصطلح "فلسفة اللغة " بدلا من "فلسفة الفكر " أو إي مصطلح أخر لأنه يعتقد أن عمل فريجة جعل من الطبيعي للفلاسفة أن يسيروا في "الانعطافة اللغوية" و ليصبحوا فلاسفة تحليليين بالرغم من أن دوميت يعترف أن فريجة نفسه لم يقم بتلك الانعطافة على نحو واضح و أن بعض عبارات فريجة تبدو ضدية لها. و يرى دوميت أن الانعطافة تحصل عندما يدرك احدهم:
أولا :ان تفسيرا فلسفيا للفكر يمكن بلوغه عبر تفسير فلسفي للغة ،و ثانيا ، أن تفسيرا شاملا يمكن إحرازه بنفس الطريقة (1993)
 و يشير دوميت إلى استعمال فريجة  مبدأ السياق في كتابه  Die Grundlagen der Arithmetik (1884) ، حين واجه ما تعنيه كلمات الأعداد توسلا بمبدأ السياق و الذي يصفه دوميت   بأنه: أطروحة في  سياق  جملة فقط  تمتلك الكلمة معنى:لذا تأخذ الدراسة شكل السؤال كيف يمكن تحديد معاني الجمل التي تحتوي كلمات أعداد(1993) .
و من الجدير بالملاحظة أن دوميت هنا يستعمل الكلمة " sentence"(جملة ) ترجمة لكلمةSatz"" الموجودة في النص الأصلي لفريجة ، و قد ترجم جي ال اوستن الكلمة الى ""proposition( قضية) و ترجمته توائم تفسيره لمبدأ السياق بوصفه مبدأ لغويا.
فضلا عن ذلك ، و بالرغم من أن مبدأ السياق قد جعل من الانعطافة إلى فلسفة اللغة أمرا محتما بيد انه كما يرى دوميت ليس إسهاما بفلسفة اللغة ، يقول دوميت عن كتاب  Grundlagen   :
الواقعية هي عقيدة ماورائية ؛ بيد أنها تصمد أو تسقط  مع قابلية نظرية دلالية مقابلة على التطبيق.ليس ثمة نظرية دلالية عامة في أو يستند إليها كتاب  Grundlagen: إن مبدأ السياق يرفض علم الدلالة.ذلك المبدأ كما فهم في Grundlagen يجب إذا أن لا يتوسل به كواقعية اساسية، بل رفض المسألة بوصفها زائفة.
يمكن القول أن أهم إسهامات دوميت في الفلسفة هي ملاحقته و محاولته حل بعض الإشكاليات التي طرحها فريجة وملاحقته لها . و من هذه الإشكاليات مقولة فريجة بأن المعاني هي ليست جزء من الأشياء الزمكانية ، و لا توجد في داخل أذهان الأفراد بل هي تنتمي إلى "حقل ثالث" ، عالم لا زمني  نصل إليه جميعا. و لم يؤيد دوميت هذه المقولة بأن المعنى يحتل حقلا ثالثا فيما وراء الزمان و المكان. و قد أطلق على مثل هذا الاعتقاد مصطلح " الأسطورة الانطولوجية" و قد استعمل مفردة الأسطورة بالمعنى الأزدرائي للكلمة. يعتقد دوميت إن هذين نهايتين سائبتين و ينبغي ربطهما. و لم يكن مقتنعا بوصف فعل الفهم على انه ينطوي على رابط  خفي أو ملغز بين أذهاننا و كينونات لا زمانية تعرف بالمعاني، و قال بأن علينا التركيز على ممارسة استعمال الجمل في اللغة. و هذا يتطلب بدوره أن نفكر بالغرض من تصنيف الجمل  صادقة أو كاذبة ، وهذا يتطلب أن نفكر في الغرض الذي نستعمل اللغة لأجله. ونتيجة هذه العملية قد يكون إثبات أن هناك علم دلالية لدى فريجة و قد يثبت موقع الحدسيين في الجدل الفلسفي.
بالنسبة إلى دوميت إن كنا نريد طريقة لحل الإشكالات الماورائية ،لابد من الكشف عن طريقة لتبرير ألمنطق ، أي إيجاد مجموعة مبادئ للاستدلال. فالمنطق هو دراسة الصدقية - فالاستدلال صادق إذا و فقط إذا كان صدق المقدمات يضمن صدق النتائج.يريد المنطقي أن  يكون قادرا على إدراك الاستدلالات الحافظة للصدق من خلال بنيتها.  و يمكن تحقيق دقة اكبر بتقديم الاستدلالات في منظومة شكلية. ويصبح للدقة أهمية حيوية حين نحاول الاختيار بين منظومتين منطقيتين متنافستين .(1991 ب،185) .فالمنطقي يريد أن يكون قادرا على إدراك أن جملا في مجموعة أخرى هي جمل صادقة من خلال بنية جمل من مجموعة ما. وواحدة من طرق إثبات قواعد الاستدلال هي بواسطة نظرية دلالية، حيث أن كل تعبير يعطى قيمة دلالية و يتم تبيان كيف أن القيمة الدلالية للعبارة المعقدة تستند إلى القيمة الدلالية لمكونات تلك العبارة. و يرى دوميت إن هدف النظرية الدلالية هو تفسير كيف إن أجزاء الجملة تحدد قيمة الصدق لتلك الجملة(المصدر السابق،24). و هنا لابد من للتركيز على استدلال معين و نظرية دلالية معينة.
تشتمل النظرية الدلالية على مبدأ ثنائية التكافؤ أي إن كل جملة تعطى القيمة صادقة أو القيمة كاذبة. لقد عد دوميت أن هذا الأمر هو خصيصة  لعلم الدلالة الواقعي فليس ثمة بديل عن مبدأ ثنائية التكافؤ .يمكن للمرء أن يتجنب ثنائية التكافؤ أن وجد أكثر من قيمتي صدق أو بالاعتراف أن هناك جمل بلا قيمة صدق أو بالاعتقاد أن ليس ثمة ضمان في أن كل الجمل لها إحدى القيم (صادقة أو كاذبة). و بالرغم من أن اشتغال دوميت على الاستدلال يجد جذوره في الجدل حول الحدسية بيد انه ليس بالضرورة أن يكون المنطق البديل الذي يؤيده دوميت من خلال أسلوبه الخاص اللا واقعي سيكون منطقا حدسيا. و ذلك لان المبادئ المنطقية الصحيحة ستتبين حالما تتأسس النظرية الدلالية الصحيحة.
إن نظرية المعنى هي تفسير للمهارة التي يملكها أي شخص يفهم لغة.و بوصفنا مستعملي لغة نواجه باستمرار جملا لم نواجهها سابقا ، و يبدو أن هناك مجموعة قواعد نعرفها ضمنيا تمكننا من استنباط معنى الجمل الجديدة.و في هذا الصدد يشترك دوميت مع أفكار دونالد ديفيدسن.  ومن بين الاقتراحات التي يدعمها ديفيدسن و بقوة هي أن نظرية المعنى ستحدد مجموعة القواعد التي نستقي بموجبها معرفة بالشروط التي تكون فيها الجملة صادقة و هذا يعني أن كنت اعرف أن جملة من لغة أجنبية هي جملة صادقة إذا كانت القطة على الحصيرة و كاذبة إن كانت القطة ليست على الحصيرة فانا اعرف أن الجملة تعني "القطة على ألحصيرة" . و يؤيد دوميت الرأي القائل أن هذا هو الاقتراح الأفضل المطروح لبناء نظرية معنى. ( 1991 ب) و رأى أن نظرية مثل هذه يجب أن تبنى على الأسس التي وضعها فريجة. و قد ميز دوميت بين معنى راسخ و أخر ضعيف حول إمكانية أن يكون "الصدق" فكرة مركزية في أية نظرية للمعنى. بالمعنى الراسخ ، ينبغي تفسير المعنى بموجب شروط الصدق و هنا يؤخذ مصطلح الصدق على عواهنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق