تكست: السنة الثانية - العدد العشرون - تشرين الثاني 2013






السنة الثانية - العدد العشرون


السبت، 7 ديسمبر 2013

تكست - السنة الثانية - العدد العشرون - ملف الشعر التونسي .............اعداد عبدالفتاح بن حمودة








 ملف الشعر التونسي
الاقدام التي ادماها الحصى و الجبل قرب الاصابع......اعداد عبدالفتاح بن حمودة
الشعراء:
1- زياد عبدالقادر...........قصيدة        
  jfk(مهداة الى لينا بن مهني) 

2- محمد العربي............قصيدة مسامير
3- اشرف القرقني..........قصيدة العاديون
4- مهدي الغانمي...........قصيدة مولوتوف
5- جميل عمامي ..........قصيدة عودة
6- نزار الحميدي .........قصيدة قرار
7- انور اليزيدي ..........قصيدة طفل
8- السيّد ألتّوي ...........قصيدة بورتا بليس
                                                                 Porta Place (الى مهاجري مدينة تورينو بأيطاليا)
9- صبري الرحموني ...قصيدة العلاقات الدولية او السكين التي لم يحملها تشارلز مانسن
10- صلاح بن عيّاد......قصيدة حذاء فان غوغ
11- سفيان رجب ........قصيدة كلب يشرب من البركة
12- عبد العزيز الهاشمي ....قصيدة خيبة
13- صابر العبسي .............قصيدة مرآة
14- وليد التليلي............... قصيدة ما نسيته هناك
15- أمانة الزاير .............. قصيدة
J>aime et je partage
16- خالد الهداجي .............قصيدة ليلة السنوات التسع



الحركة الشعرية الجديدة في تونس :

الأقدام أدماها الحصى والجبل قُرب الأصابع!

 إعداد : عبد الفتاح بن حمودة

نفتح حربا ضدّ الرداءة في كلّ شيء، بل ضدّ أنفسنا أوّلا، أنفسنا التي هي أقرب إلى مِرجل أو سيّارة مدهوسة. نتّهم أنفسنا أوّلا. نشكّ في أنفسنا قبل أن يشكّ بنا الآخرون، وبسيوف من الماء نربّت على أكتاف الغيم ونمجّد الرّيح والمطر. نغنّي حتّى لأولئك الذين نصبوا لنا كمائنهم في ممرّات ضيّقة... حتّى لأولئك الذين نصبوا لنا المشانق... نغنّي لأولئك الشعراء الكبار في السنّ فقط، أولئك الذين قتلونا بكلمة «الأدباء الشبّان» لأنّهم أصغر من أنفسهم وأحابيلهم وأحقادهم وبرازهم وبولهم آخر الليل بعد خروجهم من الحانات الرّخيصة... نغنّي لأولئك الإعلاميين الذين يخطئون في رسم الهمزة ولا يفرّقون بين الضّاد والظّاء! نغنّي لأولئك الشعراء، شعراء ما قبل سنة 2000 وقد اعتقدوا أنّهم بكلماتهم المتخشّبة تلك وبأوهامهم وأمراضهم وسلطاتهم التي يستمدّونها من مناصبهم ومواقعهم البائسة واخطبوطاتهم الإعلامية، قد بلغوا سدرة المنتهى... هيهات فقد فاتهم القطار... فاتهم كلّ شيء مع مجيء الحركة الشعرية الجديدة هذا النهر الذي جرفهم دون شفقة... فقط لأنّ هذه الحركة هي الأجمل والأبقى لغة ورؤية وسلاسة وعفوية واندفاعا وتراكيب وماء وحياة وفعلا أوإقامة في الأرض... هذا ما بحثت عنه طوال عشرين عاما ولم أعثر عليه في الشعر التونسي قبل التسعينات...
ولدتُ شاعرا بين أولئك المرضى ولم أسقط مثلهم في «الحقد الأعمى» والتزلّف والجحود والنكران والوهم والتذيّل والتخندق والزّيف والرداءة وحبّ الظهور في كلّ مأدبة (أو مندبة) أو مذبحة... لم أسقط مثلهم في الحقد الأعمى على كلّ ما هو جديد يعرّيهم ويترك مؤخّراتهم عرضة للعصيّ والريح... بل إنّ هذا البلد أشدّ عفونة ونتونة من كثرة ض...هم وخ...هم الذي لا يُلمس حتى بالأعواد... انتصرت لجيل التسعينات بانفجاراته وحماسته ورغم أنّ هذا الجيل أصيب بالشيخوخة المبكّرة تحت سياط الدكتاتورية فقد ترك لنا بعض الأصوات والنصوص الجميلة التي عبّدت الطريق لجيل الألفية الثالثة، جيل الحركة الشعرية الجديدة الخارجة عن السرب والمألوف، الجيل الذهبيّ في الشعر التونسي. وهذه الحركة الجديدة يمثلها دون شكّ: سفيان رجب، صبري الرحموني، خالد الهداجي، زياد عبد القادر، صلاح بن عياد، أمامة الزاير، أنور اليزيدي، نزار الحميدي، صابر العبسي، وليد التليلي، جميل عمامي، السيّد التويّ،  محمد العربي، مهدي الغانمي،أشرف القرقني، عبد العزيز الهاشمي، محمد النّاصر المولهي،فريد سعيداني، محمد الصديق الرحموني ... هذا هو الجيل الشعري الذي انتظرته ألف عام وما يخيفني حقّا هو غياب الشاعرات فلا نعثر سوى على شاعرة واحدة هي أمامة الزاير وسط كوكبة أو غابة من الرجال... ربّما لانهماك الكاتبات في الرواية والقصة القصيرة وربّما لصعوبة النصّ الشعري... لكنّي سعيد جدّا لأنّ عدد الشعراء الجدد (أو الحركة الشعرية الجديدة كما أطلقت عليها منذ عام) مهمّ ومثلج للصدر وهذا ما يفنّد مقولات جوفاء ومضحكة ومقيتة مثل «موت المؤلف» أو «زمن الرواية»... إنّه ليس زمن الرواية ولا هم يحزنون... إنّه زمن الشعر دون منازع... زمن الشعر وكفى... فليحصّنْ هذا الجيل نفسه من أمراض وعجرفة وأوهام القدامى...
ظل الشعراء الجدد مفردين «إفراد البعير المعبّد» ولكن بعضهم اختار الخروج عن السائد والمألوف نصا ورؤية وترك الآخرين من كهنة المعابد يسبّحون باسم الواحد الأحد في ليل بارد اسمه «ليل الأرامل والأيتام» على موائد اللئام.
انخرط هؤلاء الفتية المتصعلكون بالنص في شعرية مغايرة سلاحهم اللغة والرؤى والأخيلة المجنحة، فالشعر لديهم رؤيا قبل أن يكون شكلا هاجسهم البحث عن ثقافة بديلة لا يطغى عليها الزّيف... التقيت بهم شاعرا وإنسانا واقتسمت معهم سجائر بطعم الصنوبر وشايا ساخنًا بأوراق النعناع وأكلت معهم خبزا طريا معجونا بمرق الليل فكانوا عراة الا من كلماتهم الساخنة منذ سنوات وهم يعملون مثل خلية  نحل ويحملون مشاغلهم لوضعها فوق جبل الاولمب.
«ما يبقى يؤثّثه الشّعراء» هكذا تكلم الشعراء الجدد على لسان الشاعر الالماني هولدرلين من أجل جماليات جديدة تقطع مع الترهل وتنتصر للنور دحضا لوهم الاكتمال ودحرا لقوى الرجعية والظلام.
سنحاول في هذا الملف رصد ملامح الحركة الشعرية الجديدة في تونس من خلال نصوص لأبرز أصوات هذه الحركة.









jfk


زياد عبد القادر
   ( إلى لينا بن مهنّي)

مَن نزَلوا للسّاحاتِ بُعَيدَ هروب الطّاغيةِ،
من رقصوا في الباراتِ وغنّوا:
« تحيَا الحرّيّة، إنّ الشّعبَ يُريدُ!».
( أيُريدُ الشّعبُ إذا فرّ الطّاغية؟ )
الأحلاسُ بنو الأحلاس ذوُو السّحناتِ الموروثةِ
عن أوباش فرنسيّين،
لقطاءُ الضّبّاط العثمانيين: جُباة ضرائبهم
وحُماة جواربهم بالمنجل والسّكّين،
أعرفهم!
أصحابُ وجوهِ القطن
( من لم يرثوا فأسًا أو مجرفة).
أوَلا يكفي ما ورثوا:
حاسوبًا لمناطحةِ الصّخر؟
أتحسّس قرني. أضحكُ.
أفنيتُ نضيرَ العُمر أرمّمُ قرنًا وأضمّدُ جُرحًا
يخضرّ عميقا كفتِيّ الغصن.
الآن الأمرُ بسيط. أبسط ممّا تتوقع.
من يتأبّط حاسوبًا يُنبتُ قرنين جميلين،
قرنين صغيرين  كقرْنيْ أفعى.
مرحى مرحى
أوَلم يستيقظ من في الغابة بعدُ؟
المِرجلُ يغلي والأرض تكادُ تمِيدُ بمن رقصوا في البارات
وغنّوا:
« إنّ الشعبَ يُريدُ ! ».
   ................
الحانة لم تفرغ بعدُ، الأوباشُ يجيئون وينصرفون،
 لكنّ الثعلبَ قلـّب عينيهِ
وبَال جوار الشجره







مساميرُ
محمد العربي


المساميرُ الصدئة
تلك المرشوقة في وجه العالم
لا تتخلّى عن دورها في تثبيت الأشياء
الصور الحائطيّة، عقارب الوقت، الألوان والأحذية
كلّها مشدودة بمساميرَ
....................................................
في الحديقة أيضا
مساميرُ تشدّ الكلب إلى باب البيت ليحرسه
في غرفتي....
حيث أضع رأسي على كتب تمجّد الغبار
مساميرُ أخرى
آه أيّتها الحياة الصّدئة
اتركي لنا جدارا واحدا
لم تثقبه المسامير ...




العاديّون

أشرف القرقني

العاديّون استوقفوا فكرتي في زقاق مظلم،
لم أحلم بكتابته بَعْدُ
لم أكن جاهزا للحوار المفاجئ كي ألفّها بتمائم معجونة بالفراش...
لذلك رأيتهم يجرّونها كبغيّ على وجه الشارع المجروح من فرط حدّتها
ولالتباس المشهد كانوا يضحكون لصراخ متقطّع
كأزيز أسرّتنا القديمة، ظنّا منهم أنّها تتألّم
«ههههه» لم تكن فكرتي تتألّم،
 بل كانت تضحك كبغيّ فازت للتّوّ بجسد بريء وهشّ.
عندما كان الشّارع يصرخ من فرط حدّتها وهي تخمش وجهه
قالت لهم فكرتي والسيّد نيتشه يتحلّل في دخانها وبين أعضائها السرّيّة :
« إيه ! أيّتها الرّسوم التّخطيطيّة وأشباه المشاريع الطبيعيّة الفاشلة ! »

مولوتوف
(MOLOTOV)

   مهدي الغانمي

الشّارع فارغ قُبَيْل الفجر
رأسي فارغة إلاّ من وشوشة الخمر في أذنيّ
أنا ملك يمسك قلب العالم في قبضته الدّامية
من أثر الطرق على الأبواب
 جيوشي تعربد في الطرقات:
قطط تسكرها رائحة السّمك المشويّ
في حاوية الزّبل
- هي لا تخافني -
فأنا واحد منها
و كلاب تبحث عن أنثى
و الشبق المحموم يتناثر من عيونها
جمرات... جمرات
- هي لا تخجل مني -
أنا واحد منها
أمضيت العمر أطارد حظّي الهارب
مثل كرة في منحدر جبليّ
أنا تنين
سأنفث نارا تتأجّج في أحشاء الروح على الجدران
سأرسم فقري مُحمرَّ الأنياب كمصّاص دماء
سأكتب حلُما يتيما
سرقته من ضحكات المسطولين
وخوف بنات اللّيل من المجهول
........................
..............
ها أنا الآن في المخفر أنشد شعرا ل«تأبّط شرّا »
لا أذكره
وجيوشي المهزومة في الخارج تبحث عنّي!

عودة

جميل عمامي

أنت تعود إلى البيتِ بيتِك
تحت الأرض لا عليها
تتحسّس المفتاح متّكئا على حائط هرم
الباب مفتوح تدفعه قليلا كي يتنحّى عن هبوطك
ذلك فأل حسن تقول في سرك
تجترّ خيالاتك التي خمنت للتوّ وأنت عائد في الطريق
إلى البيت بيتك بالوكالة.
وأنت تمر بالقرب من «محلات البيتزا» و«السمك المشوي»
وحانة «الأنس» وصهيل النابليّات الشقر «والبحر القربب»
ترى الشارع الممتد حولك إلى مالا نهاية وتسعل
هل تدخل ...؟
هل تنزل الدرجات وتترك عند الباب كل تلك الحياة؟
تعترضك عند أسفل درجة عشر قوارير خضر خاويات
تلقي التحية مرغما... وتمضي إلى ليلك اليابس
بأصابعَ منزوعةِ الذكريات تستلّ سيجارة نائمة في الدرج
تضئ بها كونك.
ممدّدا فوق السرير تستعيد حديثك مع شاعرين صديقين
كنت التقيت بهما على موعد في مقهى «ليسكال» قرب المحطة
عن الذكريات والأصدقاء البعدين وعادات ليل العواصم.
تسخر من كل ذلك المجد
وتدخل القبر قبرك.

قرار

نزار الحميدي

أتحدّث إلى النّاس الذين لا يجرحون النّاس
وإلى العصفور الذي يسرق القمح من الحقول
وإلى القطّ الذي يخدش الطّفلة الصّغيرة
عندما أقرّر الصّمت
سأنصت إلى العصفور الذي لا يكفّ عن التّغريد
ولا يختار إلاّ القُمَيْحة التي لن تعيش طويلا
سأنصت إلى القط  يخدش الطّفلة الصّغيرة
ويشرب الحليب،
ويقفز فوق الأسرّة،
ويضيع في أرجاء البيت،
وينام تحت الأغطية.
ولن أكلّمك أيها الموت الجشع
سأتحدّث إلى الطيبين فيشيرون بأصابع مرتعشة
إلى القطّ الذي دهسته بسرعة...


طفل

أنور اليزيدي

بنى مربّعا عاليا وكبيرا،
هذه جدران.
قسّم المربّع الكبير إلى مربّعات صغيرة،
هذه غرف.
فتح في الجدران ممرّات كبيرة،
هذه أبواب.
فتح في الجدران ثقوبا كبيرة،
هذه نوافذ.
ملأ المربّعات بأشياء جميلة،
هذا أثاث.
له الآن ما يسمّيه منزلا.
كان يصرخ في أقدام المارّة:« أن ابتعدي عن بيتي أيّتها الأقدام المتوحّشة».

أحاط منزله الجديد بمربّع آخر عال،
هذا سور.
سمّى ما بين المنزل والسّور حديقة.
نبتت أشجار وأزهار.

جاءت موجة عالية ومحت كلّ شيء،
فبكى الطّفل كثيرا كعادته.




«porta place»

  السّيّد التّوي

            (إلى مهاجري مدينة تورينو بإيطاليا)

كنت أجلس وحيدا في «بورتا بلاس».
لم أر غجريا واحدا منذ أسبوع.
لكن الزنوج كانوا يملؤون المكان بأصواتهم العالية.
كانت أجسادهم المتلألئة تغري مراهقات «تورينو».
وكان عبثهم الطفولي مقلقا.
    
كنت أجلس وحيدا...
أدخن الحشيش وأنظر الى شقراء رومانية تتمطى.
كانت نظراتي بائسة ومقرفة.
وخيوط حذائي كانت تتلوى مثل ثعبان.
    
كنت أجلس وحيدا.
صديقتي ماتت.
رماها مجنون ألباني برصاصة غادرة.
المقبرة بعيدة
 لذلك كنت أجلس تحت الشجرة
 التي كنا ننام تحتها في ايام الصيف.
    
أنا أجلس وحيدا
كنت أريد أن أنسى صديقتي مثلما نسيت كل شيء.
عندما يأتي الثلج هذا العام سأدفن فيه آخر أحلامي.
                                                 




العلاقات الدولية
أو السكين التي لم يحملها «تشارلز مانسن»

صبري الرحموني

البعوضة التي شربت دمك أصبحت فيلا من فرط ما شربت ...
فيلا يتجول بين عواصم الثلج تحت معطف مزركش
وتحت رداء ابيض في الدوحة وبيت الله كذلك ...
....................................................
أما أنت أيها النائم الآن في العناية المركزة
عليك كي لا تغضب العالم الوحش :
أولا: أن تستسلم للطبيب الفاشل الذي أتوا به لينعشك.
ثانيا :أن تضع البعوضة والفيل في درج النسيان.
ثالثا( وهذا المهم): أن تخفي أضلعك تحت الغطاء
وتجفف أنهار الحزن التي في عينيك وترفع علامة النصر
كي تروجك الكاميرا جيدا للأسواق البعوض المنتظرين ....

عليك بكل هذا،
مادمت نسيت أن تحمل سكينك بين يديك
عندما كان الوقت ممكنا لهذا!

حذاء فان غوغ

صلاح بن عيّاد

ألبس حذاء «فان غوغ» المفرد
أرحل في الزَّيتيّ اللاّصق
أجرّ خيطيه الأسودين إلى خارج اللوحة
حذاء «فان غوغ» يلامس الطريق الآن
الطّريق اليابسة والطويلة
على مرأى اللّحيّ الحمراء فوق الأرصفة
أحدّق في نظرتين متدحرجتيْن
من أعلى اللّوحة
أجرّ الخيطين إلى المنتهى
حذاء «فان غوغ» تآكل الآن
يتذكّر ركنه الزيتيّ المريح
أمضي به إلى اسكافيّ جائع
يستند إلى شجرة
الإسكافيّ المحدّق في قلق الذّباب
لن يفهم الإسكافيّ خيطيّ
لن يفهم بأيّ المسامير يُلصق «ذاك» ب«ذاك»
لن تكفي الألوان
لن تكفي فرشاتي
لحلّ عقدة الخيطين
لا شيء يكفي لاسترداد
عمق الحذاء في ركنه الزّيتي
أنا في الطريق أحمل الحذاء
 إلى داخل اللوحة ....
الصيّاد
محمد الناصر المولهي
إنّه ينتظرني
يطلق عينيه المسعورتين ككلبيْ صيد
قرون من البرق الذي يلعق الريح بلسانه الحادّ
قرون من الصراخ والضوء المجروح
وهو يطحن فرائسه بمطرقة بيضاء
ويدق طبوله في ليل الأرامل واليتامى والعذارى
إنه ينتظرني
قرون من الصخور والفولاذ والبارود
قرون من الرمال الرمادية
وهو يشحذ يده المعقوفة
ويكسر الأرض على ركبته ويشعل النار
إنه الآن يطلق عينيه إلى قلبي
لكنني أنتظره!


كلب يشرب من البركة

سفيان رجب

هذه البركة الساخنة هي أنا
بعد أن ذبت في محارق الخرائط والكتب!
هذه الطيور البرمائية في أحلامي المشلولة
بعد أن فقدت أجنحتها
فوق الأسرّة والأرصفة!
هذا الكلب الهزيل الّذي يأتي ليشرب
هو ملل السنوات الطّويلة
الّتي قضّيتها دون عمل
أشدّ البيت إلى المقهى
بسلسلة الخطوات البطيئة
حاملا على ظهري قمرا آفلا
جلبته من سماء قريتي البعيدة
ليكون دليل عودتي إليها يوما ما!
هذا اللهاث الأزرق..
هو تحنيط للحظة طائشة
من عمر يتعفّن
في الجزء الّذي فتح من علبة الزّمن!

خيبة
عبد العزيز الهاشمي

الزّهرة التي طوّقتها يداكَ
تلك التي نفختَ على أطراف برعمها الفتيّ
تلك التّي غطيتَ أولى وريقاتها النّديّة
تلك التّي سخرتَ لها جنداً من عباد الشمسِ
وجاريةً من الأقحوانِ.
تلك التي ظلّلتها بشجرة الحنّاء
وحضنتها بأوراق الزّعرور الملفوفة .
 الزّهرة التّي اعتنيتَ بها طويلاً
انبلجت على نور قمر شاحبٍ
وأهدتْ نفسها لأولى النّحلاتِ العابثات
زهرتكَ يا صديقي لم تكن زهرَ «الفْريسْيَا» البريئة
لقد كانت زهرةَ نرْجِسٍ، تحترفُ الغواية.

مرآة
صابر العبسي

البِركة بين شُجيرات النّبق البرّيّ
منذ غسلتِ
مسامّكِ
وجهكِ
قرطكِ
نهدكِ
شعركِ فيها
 كلّ صبايا القرية من عبق
يمشين على بيْض الحجل.
ما إن يعبرْن بجانبها
ما إن يُبصرْن ملامحهنّ بها
يُصبحن فراشاتٍ.





ما نسيته هناك

وليد التليلي

 الأجمل هو ما نسيته هناك
 الأكثر حياة هو ما ظننته ميّتا
الأسماء التي سقطت من مفكّرتك حين بدأت الكتابة
التّجاعيد الشّاخصة إلى السّماء في انتظار المطر
الأصابع التي تسقي القمح بالعرق من أجل الخبز
النّساء العائدات من جنازة الفتى
البنت التي تكتب رسائلها بالعطر
الأب الذي طرده صاحب العمل،
 وأختك التي كبرت في غيابه
 حارس المدرسة
عصا المعلّم
 الحكايات التي نسيتها في غمرة الدّهشة
كلّها بقيت هناك 
مع كلّ تلك الأشياء الجميلة
التي يخلّفها الأولاد في طريقهم
 ليصبحوا رجالاً!



Jaimeet je partage
أمامة الزاير

العالم مقلوب في كأسي :
القمر سائل منويّ
الرّيح كلب مسعور
نشرة الثّامنة بصيغة المضارع المنهوب.. مغلوب على أمرها.
المذيعة تركّب المشهد وتفتعل نقطة نظام.
أصابع «الشّمك »(1) تمسّح شعر اللّغة وتسرف في النّثر.
«سوار» (2) التي لا تريد أن تنام تهفو إلى تمزيق الكتب الملقاة هنا وهناك.
الفوضى في بيتي... على لسان سياسيّ لبق..
علبة الفلفل الأكحل تهدّد بالانسحاب فورا من مطبخي.
أشياؤه التي تعلق في قبقابي كلّما مررت بها..
 نصّ فايسبوكيّ ملآن بأخطاء الرّسم..
علبة السّجائر منهكة على «الكوميدينو» تنثر النّكات..
تتلوّى فرشاة الماكياج.
العلامات التجاريّة تتلاشى في قصائد النّثر الرّديئة.
المسلسل اليوميّ يتاجر بالاستعارات وبالمجاز وبعلوم الدّلالة.

(العالم مقلوب في كأسي
العالم درس أسلوبيّ لا أفهمه.)



-------------------------
1/ رضا الشّمك : موسيقيّ تونسيّ..
2/ سوار : ابنة الشّاعرة.







ليلة السّنوات التّسع

خالد الهداجي

حين خرجنا من الحانة آخر اللّيل
قالت :« لن أعود الى البيت»
لن أنام وحيدة هذه اللّيلة.
وأمسكت يدي
الغجرية المتوحّشة كانت تقطر أنوثة ...
وكنت مخمورا حدّ الثّمالة،
حين دخلنا غرفة باردة
أقفلت الباب جيّدا وراءها
وأشعلت عينيها
صرخت بكامل شهوتها :
«تسع سنوات كاملة وأنا أنتظر أصابعك لتعبث بشعري الغجري
تسع سنوات أنتظر النّوم على صدرك ليلة واحدة ...»
تسع سنوات وأنا أحترق على سريرالوحدة وأحلم بك
لكن أصابعي كانت نائمة ...
وكنت مخمورا حدّ الثّمالة.
تلك اللّيلة رأيت شياطينها الحبيسة تنفلت من عقالها
لتنشب أظفار لهفتها في جسدي
وحين انقضّت عليّ ...
لم تجد شيئا منّي يطفىء حرائقها ...
كنت منطفئا ومخمورا حدّ الثّمالة
ثملا بامرأة أخرى
امرأة رحلت وأخذت كل مفاتيحي ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق